كيف تصبح ناقد سينمائي؟ هذه الخطوات ستكون دليلك الأول في هذا المجال




في البداية أحب أن أقول أني لست ناقداً محترفاً ووجهة نظري ليس من الضروري أن تكون صائبة، لكن ما أرمي إليه هو تفتيح عقول الناس إلى مهنة النقد السينمائي -أو لنقل أنها هواية- والتي هي شبه غائبة عن مجتمعاتنا العربية؛ فليس أحد منا يحب أن يصاب بالإحراج أمام أصدقائه إثر تضخيم مستوى فيلم عادي، أو التقليل من مستوى فيلم عظيم.




إذا ينبغي أن ننظر بعين موضوعية إلى كيف تُوجه الكاميرا وماذا تقدم، وليست المشاهدة النقدية بتلك التي تفسد متعة وتشويق الفيلم؛ إذ إن الانتباه إلى العناصر الأساسية لن يخطف بصرك عن مجريات الأمور، بل إني أرى حسب تجربتي أن المشاهدة النقدية تغذي العقل والعاطفة أكثر مما تفعل تلك التي تهدف للاستمتاع وملء الوقت فحسب.

القاعدة الأهم في عملية نقد الأفلام هي أنه لا توجد قاعدة ثابتة أو منهج محدد لها، لا يوجد كتب تخبرك أسرار ثابتة لهذه المهنة. إنها عملية ذاتية يقدم بها كل فرد رؤيته الخاصة ويشرح تجربته مع المحتوى المرئي الذي شاهده وكيف أثر في أفكاره وعاطفته، حتى أن مواقع شهيرة مثل Rotten tomatos تعتمد في نتائجها على تقييمات العيون الغير خبيرة بهذا الأمر لأنهم يعتبرون أن كل شخص يحق له أن يعطي وجهة نظره عن الفيلم.

لكن رغم هذا توجد بعض النقاط الأساسية التي وفقها يقوم معظم النقاد بتقديم نتائجهم، وليس بالضرورة أن تكون هذه النقاط مشتركة لدى جميع النقاد أو أنها هي ذاتها في كل حال،  وباعتبار أن الأفلام يتم تقييمها من عشرة درجات على خلاف الروايات؛ سأشرح هنا عشر نقاط أرى حسب رأيي أن مستوى أي فيلم يعتمد على درجة جودتها وحضورها القوي في الشاشة :


1- السيناريو : وهو النص المكتوب للفيلم الذي يتضمن الأحداث والحبكة والحوارات وترتيب المشاهد (أحيانا لا يتقيد المخرج بالسيناريو لترتيب المشهد) وبإمكاننا من خلال السيناريو تخيل الفيلم في ذهننا كما لو كنا نراه.
تزداد جودة السيناريو كلما ابتعد عن الابتذال وقدم أحداث تشويقية وحوارات أدبية قوية، وكلما كانت الأحداث متماسكة، وكلما كانت السببية موجودة (والمقصود بالسببية هو السبب الذي يدفع الشخصية للقيام بحركة ما)، وكلما كانت السببية مقنعة وواقعية أكثر زادت جودة السيناريو، ونأخذ مثال عن السيناريو القوي من الجزء الأول لسلسلة أفلام Pirates of the Caribbean.


2- الإخراج : وهو أهم عمل في صناعة الفيلم؛ إذ إن وظيفة المخرج هي تفسير السيناريو المكتوب إلى أحداث بالإمكان تصويرها، بالإضافة لأنه مسؤول عن تموضع زوايا الكاميرات وحركتها وبعدها أو قربها عن الشخصية، كما أنه يوجّه الممثل لأداء التفاصيل الدقيقة من الحركات والانفعالات التي لا يتم ذكرها في السيناريو. وفي هذا السياق، بإمكاننا أن نلاحظ احترافية المخرج بكل نقطة لحظية في الفيلم، بدءاً من ملابس الشخصيات وديكور الأماكن مروراً بحركات الكاميرا والمؤثرات الأخرى وحتى أدق التفاصيل التي نراها في المشهد، وتزداد قوة الإخراج بازدياد جودة هذه العناصر. نأخذ مثال على احترافية الإخراج من فيلم The shawshink redemption.


3- الحبكة : وهو خط الأحداث الرئيسي في القصة. وكلما كانت معقدة وغير مألوفة تكون أقوى، وكلما شوقت المشاهد لمعرفة الأحداث التالية تكون أقوى.
الحبكة موجودة بالسيناريو لكن ليس من الضروري أن ترتبط به، والسببية أيضاً هي عنصر هام جداً في الحبكة؛ إذ إن الحركات الغير مفسرة للشخصيات تكون مبتذلة ومملة، ومن أفضل الحبكات التي شاهدتها في الأفلام كانت حبكة فيلم The saint.


4- التمثيل : (في حالة الأفلام الحية، والمحاكاة في حالة أفلام الانيميشن) وهو تجسيد حركات شخصيات النص في الواقع؛ فكلما اقترب التمثيل من الواقع ازادت قوته، وكلما عبر الممثل عن عواطفه وردات فعله بطريقة واقعية ازداد رصيد خانة التمثيل في سلة تقييم الفيلم. وهنا المثال يكون فيلم The wolf of wall street.


5- الفكرة : وهي المغزى الذي لأجله تمت صناعة الفيلم، والشيء الذي يكافح طاقم التصوير بإيصاله للمشاهد وتفهيمه إياه، وبرأيي الشخصي تعد الفكرة من أهم عوامل القوة في التقييم؛ ففيلم بلا فكرة واضحة لن يُحدث فينا هذا التأثير بالمقارنة مع فيلم ذو فكرة جبارة، وكلما كانت الفكرة جديدة وتلامس النفس الإنسانية وحاجاتها أو تقدم شيء جذاب غير معروف ازادت قوة الفيلم من هذه الخانة.. مثل فيلم Inception.
والآن بإمكان الناقد المبتدئ أن يصل إلى تقييم منطقي من خلال هذه العناصر الخمسة فقط، وستكون نتيجته صحيحة بنسبة 85% في حال وضع درجات موضوعية لكل فرع، لكن النسبة لي أرى أن الأمر يحتاج إلى المزيد من المعايير لوضع تقييم سليم للفيلم، لذا سأكمل النقاط العشرة.


6- الجملة الصحيحة في المشهد الصحيح : وهذه نقطة معقدة لن يفهمها الكثيرون، لكن اسمها يفسرها تقريباً لدرجة ما.. المسألة هنا تتعلق بجملة وحدث؛ فمثلاً في أحد أفلام Fast and furious يكون هناك شجار برايان أكونر وبين أحد الأعداء، فيهزم العدو برايان ويقول له "أنت بطيء للغاية" ثم تتوالي المشاهد والأحداث وتلتقي هاتين الشخصيتين معاً ويتشتاجران من جديد، فينتصر أوكونر هذه المرة بسبب خطأ من الآخر، ويقول له مفسراً سبب هزيمته وراداً عليه "أنت بطيء للغاية" ، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالرد على الإهانة، بل في توالي الأحداث الذي سمح بحدوث هذا الرد، أي أن المشهد هنا يقتضي وجود خبرة في السيناريو والحبكة لإخراج لقطة ماكرة تشدّ فكر المشاهد. يوجد فروع جمّة لنقطة "الجملة الصحيحة في المشهد الصحيح" لكنها تتميز بالتعقيد الشديد وعدم وجود تفسير دقيق لها.


7- العاطفة : وهي تعنى مدى قدرة الفيلم على إثارة عواطف المشاهد أثناء المشاهدة وبعد النهوض عن الشاشة، ولا يوجد فيلم قد يعطينا عاطفة إنسانية بقدر Interstellar.


8- الواقعية : وهي تعني قرب الفيلم من الواقع الملموس. وليس المقصود هنا أن أفلام الخيال العلمي رديئة، لكن المبالغة الزائدة في قدرة إحدى الشخصيات أو المبالغة في مشهد معين يفقد الفيلم درجات مهمة في التقييم؛ فمثلاً حين نرى مشهد عراك بين البطل وبين حوالي ثلاث أشخاص ويهزمهم بصعوبة نستطيع إدراك أن الفيلم قريب نوعاً ما من الواقعية، أما إن زاد العدد على عشرة وهزمهم البطل بسهولة يصبح الأمر مريب، وكلما ازداد العدد ابتعد المشهد عن الواقعية، لكن هناك استثناءات؛ ففي فيلم The Matrix : Reloaded يستطيع البطل قتال عدد كبير من العملاء وهزيمتهم لأنه موجود في عالم الماتريكس حيث أن لهذا العالم قوانينه الخاصة وحيث أن البطل يمتلك قوة خاصة في هذا العالم مكنته من النصر، أما إن حدث هذا المشهد في العالم الواقعي خارج الماتريكس فسيكون الأمر مضحك، ولتأكيد مصداقية الفيلم في هذه النقطة فقد كاد البطل أن يُقتل بعد شجار طفيف في العالم الواقعي.. وأعطي مثالين على الواقعية من فيلمي Seven pounds و The illusionist  رغم أنها فيلمي دراما لكن يتحليا بقدر كبير من الواقعية.


9- توصيل الفكرة : المقصود هنا هو قدرة المخرج على توصيل الموضوع الذي يدور حوله الفيلم بالشكل الصحيح وتوضيح كل النقاط التي أراد إيضاحها، وليس بالضرورة أن تصل الفكرة من المشاهدة الأولى؛ إذ إن فيلم مثل V for vendetta يعجز الكثيرون عن استيعاب جميع تفاصيله من المشاهدة الأولى، لكن هذا لا يعني أن المخرج أضاع سهواً أو عمداً مفاصل أساسية منه؛ فالفيلم شبه كامل، أما ما كان النص يفتقر إلى جمل رئيسية لا يقوم المعنى إلا بها فهنا تقع المشكلة، وهذا يحدث أحياناً.


10- التأثير : وهو مختلف عن العاطفة.. المقصود بالتأثير هو أنك بعد مشاهدتك لفيلم عظيم سيبقى دماغك مشغول لفترة طويلة به ربما تمتد لأيام، ويعد التأثير هو الشي الوحيد الذي يبقى معك من الفيلم بعد إنتهائك منه، ولعله ذاك الشعور الذي يرغمك على إعادته مرات كثيرة.. أما أكثر فيلم أثر فيّ ودفعني لإعادته فهو The prestige.


نصيحة شخصية أخيرة وهي أنه لا يجب عليك أن تقيّم فيلم ما بعد إنتهائك من مشاهدته مباشرة؛ إذ إن دماغك سيكون مشوشا حينها، انتظر ساعتين ثم ابدأ هوايتك.
هذا هو منهجي الشخصي الذي استخدمه في تقييم الأفلام، وسأبدأ بعرض مقالات نقدية لعدة  أفلام قديمة وحديثة قريبا.. أخبرنا عن منهجك الشخصي أو قل لي فيم أخطأت وعمّ سهوت.


مصدر الصورة : هنا

0 التعليقات: